Sunday, September 26, 2010

Monday, July 19, 2010

مقال الدكتور صلاح فضل عن الموت يشربها سادة فى الأهرام




وجدى الكومى مبدع شاب، لم يتجاوز الثلاثين من عمره، يشرب القهوة مع الموت فى ثانى رواية له، وهو المتخصص فى الآثار المصرية، حيث يمارس لونا من السرد العنيف، الصادم لحساسية القراءة، برائحة الواقع النفاذة، ومذاقه الحريف، ومشاهده التى لم تعد مرعبة.الراوى فى "الموت يشربها سادة" مساعد صحى فى عربة إسعاف، مع سائقها "عبده اغتيالات" يخوض فى أرصفة وميادين القاهرة، يخترق صدامات الشرطة مع المضربين، ويرى الضحايا ممنوعين من النقل إلى المستشفى خشية أن يلتقط الصحفيون صورهم، فيقدم لنا قطعة ملتهبة من نزيف الحياة المصرية ومفارقاتها الغليظة فى العقد الأخير، حيث يتلقى "نعيم" أوامره من الدكتور طارق فى المقر الرئيسى للإسعاف، موجهاً حركة عربته رقم "128" باللاسلكى.لكن الدكتور طارق "لا يتخيل الأغراض المتعددة للعربة، هو يعرف فقط غرضها السامى الوحيد، لم يخطر بباله أن داخلها جرت الاجتماعات السرية للمضربين من كل نوع، سائقى الميكروباصات، المقطورات، عمال مصنع الغزل، وكل المنشقين على رجال أمن دولته الذين يأتمر بأمرهم ويعطيهم تقارير سرية عن كل دبة نملة فى مركز الإسعاف.داخل عربتى اختبأ شباب 6 أبريل من بطش الأمن، وكذلك قادة إضراب المصنع، ورجال البرلس الذين أشعلوا النيران فى دروع ميكروباصات العمليات الخاصة من أجل الدقيق، حقيقة لن يخطر على بال طارق كل هذا، لن يخطر على باله كيف احتضنت هذه العربة لقائى الحميم الأول بصافيناز الكبير، التى ما أن علمت بأمر نفيى إلى نقطة إسعاف الكيلو 41 طريق القاهرة السويس حتى أرغمت زوجها ليتدخل ويأمر طارق بأن يسحبنى من هذا المنفى. إنها عربة ذات سطوة لا يوقفها أحد، سواء كانت هواجر الأمن المركزى أو أوامر طارق الإدارية، ولا يعرف قيمتها إلا مَن يجلس خلف مقودها، ويرى بنفسه قوة السارينة والكشاف الدوار فوقها، غير أن خشونة هذه المفارقات الفظّة التى يرويها نعيم عن امتزاج الأهداف النبيلة لعربة الإسعاف بمذاق الحياة اليومية فى ابتذالها الشهوانى وتواطؤاتها الاجتماعية تكشف عن وجه الحياة فى مصر اليوم من منظور الشباب بما يقوى عليه السرد المنطقى المنظم.أحشاء المدينة:ينزع هذا اللون من القص الجديد إلى تشكيل مشاهد توثيقية على طريقة "الكولاج" تستثير المخزون فى الذاكرة الجمعية لإضاءة بقع الواقع العريضة، بتوليفات زاعفة تكشف عن فجاجته دون مواربة، مثل تلك اللوحات الفنية التى تتشكل من الألياف والأقمشة والأسلاك والعاديات، لتستخرج من أنساقها المختلطة أطيافاً جمالية فاتنة ما كان لها أن تتولد بغير هذه الطريقة، فهو يحكى مثلا قصة تعرفه على "لولا" التى كثيرا ما يبكى على صدرها فى لحظات نشوته وعذاباته، فقدم لنا وثيقة صاخبة عن حالات التحرش الشهيرة فى شوارع القاهرة حينما تقبل الأعياد، تزدحم منطقة وسط البلد بشباب هائج، ألسنتهم تتدلى على كل العابرات حتى المحتشمات، يفتحون "سوست" بناطيلهم أمام الفتيات، ولا يستحون من فعل ما هو أكثر من ذلك، ولأن "لولا" و"صافى" يعرفان أن هذا هو موسم "الكافيه" (الذى يجلبان له الزبائن من الشارع) فهما يكثران من "الميك آب" على ملامحهما، وكذلك البلوزات الحابكة على نهديهما. ازداد احتقان المحتفلين بالعيد، فاندفعوا فى هياج إلى المساحة الضيقة بين سينما ميامى ومحل الملابس وسقطوا فوق الفتاتين.. الشرطة لم تأت إلا بعد اتصالات متكررة من السينما بخصوص الأضرار التى وقعت عليها، أما نحن "رجلى الإسعاف" فقد انتزعنا لولا وصافى محطمتين تماما وممزقى الثياب.. نجت لولا وأصبحنا أصدقاء، فصارت تمنحنى حنانا خاصا لا يعرفه الآخرون، وهكذا ينتهى أمر المنقذ بدوره إلى ما هو أبعد مما ذهب إليه المتحرشون، لكن فى سياق إنسانى مختلف، يجعل من الجميع ضحايا للنزق والكبت وشروط الضرورة، وهم يسعون بلهفة إلى الحرية فى مظاهرها السياسية والاجتماعية والإنسانية.الموت الرحيم: لعل أقسى ما تمثله هذه الرواية فى تجسيدها لبشاعات الحياة الراهنة ما يشيعه الراوى بتلقائية غريبة من عدمية وسخرية أليمة فى كشفه عن مرض أسرته المزمن بسرطان القولون، وانتهاء الأمر بهم إلى حمل "كيس براز" فى طيات ثيابهم مما يلوث شعورهم مهما اجتهدوا فى إخفاء رائحته، وما صحب ذلك من تطور داخلى يعانيه "نعيم" فيدفعه لاحتراف ممارسة "القتل الرحيم" على من يقع تحت يده فى عربة الإسعاف حتى لا يسهم فى إطالة أعمارهم وزيادة معاناتهم بحياة محكومة بالعجز والتعويق، يفعل ذلك أولاً مع والد صديقته "لولا" التى استنجدت به لإسعافه من أزمة قلبية مفاجئة "لولا" كانت تجلس أمامى تبكى، وأبوها يستلقى بيننا.. كان بوسعى إنقاذ الرجل بأكثر من طريقة، حقنه بحقنة "إدرينالين" التى تفيد فى الأزمات القلبية، أيضا قرص "ديانترا" لتنشيط عضلة القلب، كل هذه الوسائل كان بإمكانى عملها، لكنى لم أفعل أى شىء من هذا، فماذا يضير "لولا" لو مات أبوها، ستظل تعمل فى كافيه الممر الضيق.. هو الوحيد المضار لو نجا، سيظل يواصل صعوده ولن يشفى من مرضه العضال، وتصل هذه المواقف إلى ذروة تأزمها، عندما يزور الراوى أمه التى ترقد فى العناية المركزة وتنازعه نفسه لنزع الأنابيب التى تبقيها على قيد الحياة كى يريحها من عذاب المرض، لكن قوة مشاعر البنوة تحبط هذا الوازع الإجرامى دون أن تفلح فى تغيير طريقة تفكيره، حيث أصبح يتعايش مع الأشباح ويناجى الموت ويتناول القهوة معه فى محل البن البرازيلى قبل أن يكتشف أمره ويتلقى من طارق قتله. *نقلاً عن جريدة الأهرام الإثنين التاسع عشر من يوليو

Friday, March 12, 2010

بمناسبة عيد الأم فصل من الموت يشربها سادة

دعوت الموت إلى فنجان قهوة داخل محل البن البرازيلي.
جلسنا متقابلين على نفس المائدة، وسألته إن كان يرغب في سندوتش فول بجانب قهوته، لكنه لم يجبني.
حاولت أن أتوصل معه لصيغة تفاهم.
يتركني أنقذ حالتين من بين كل عشرة على قائمته.
أيضًا لم يجب.
لمحت عبده اغتيالات يشير لي من السيارة ويطلق بوقها مرتين فنهضت تاركًا الموت وحيدًا وقهوتي التي لم أشربها.
قال لي عبده في حنق:
- ماذا دهاك يا عم أنت؟ جننت؟ أشير إليك لأننا سننطلق، مهمتنا هي إنقاذ الأرواح وليس شرب القهوة.
أقول في حدة:
- مهمتنا هي شرب القهوة يا عبده.. أي بلاغ أهم من القهوة؟
حدق فيّ عبده صامتًا، ثم فتح باب السيارة لكي أركب، وصاح في:
- اركب يا نعيم الله لا يسيء إليك، أنت بدأت تخرف منذ وفاة عمك.
ألقيت بجسدي في حنق بجواره، غادر منطقة وسط البلد إلى جهة مجهولة، كل شيء يبدو مشوشرًا في عيني، الليل يختلط بالنهار والشمس بالقمر، المرات التي زرت فيها أمي وجدتها كما هي راقدة في حجرة العناية المركزة بدون حراك، ملامحها تقول إنها لن تفيق، تقول إنها لن تصحو لتحيا بكيس براز، سمعتها في إحدى تلك الزيارات تحدثني، بحثت عن حركات للشفاه فوجدتها منطبقة لكن الصوت يتدفق على عقلي هامسًا:
- لا تجهد نفسك بزيارتي يا نعيم، اتركني مثل أختك، مثل الجميع، أنا لن أستيقظ أبدًا.
علاماتها الحيوية تقول إن أجهزة التنفس الصناعي تعمل جيدًا، ولكنها لا تفصح أي شيء عن أمي، أحيانًا تطلق صفيرًا، تصرخ الممرضة، فيهرع الطبيب لإنعاش قلبها الذي سقطت منه نبضة، تصرخ أمي في عقلي:
- دعهم يكفون عن تعذيبي، دعهم يتركوني أرحل.
يصدمها الطبيب صدمات كهربائية تجعلني أصرخ باكيًا، لكن قلبها يعود يحافظ على نبضات متزنة، كل شيء يعمل في جسد أمي آليًا، يمدها جهاز التنفس الصناعي بالهواء، تتنفس الرئتان فتعملان، يعمل القلب ويضخ الدم، تعمل المثانة وترسل بولها في القسطرة، لكن روح أمي التي أسمع صوتها في عقلي هي التي تأبى أن تعمل آليًا.
يصل عبده إلى منطقة البلاغ، أشعر أنني كنت هنا من قبل، ينظر لي عبده وهو يراني أتفحص المنطقة في ألفة، ثم لا يتركني طويلاً لحيرتي، يقول عبده:
- زوج الدمية، هذه المرة أطلق النار على نفسه من مسدس الشاويش الذي يحتفظ به.
حول منزل الرجل كان الجيران هذه المرة قد تشجعوا والتفوا ينتظرونا، أحدهم كان يقول ساخرًا:
-خلصونا منه ومن مسدس أبيه، كان عامل إرهاب في المنطقة.
وآخر كان يقول:
-ربنا ينجيه، كله من زوجته التي غدرت به وخانته، قبلها كان رجلا كله عقل وحكمة.
حينما وضعناه داخل عربة الإسعاف جلست بجواره ووضعت قناع التنفس على وجهه، وكنت أستعد لحقنه محقنًا يوقف النزيف، أمسك يدي على الرغم من صدره النازف ونزع عن وجهه القناع، وقال في ضعف:
- أريد أن أموت، إذا طلب أحدهم منك الرحمة لن ترحمه، اتركني أموت.
توقفت أمام رغبة الرجل في الموت، انحنيت عليه مقتربًا من أذنه:
- لن أحقنك بشيء، سيقتلك النزيف على أي حال.
وصلنا المستشفى، كنت أراقب الرجل ونزيفه المستمر، روحه كانت مستعصية على مغادرة جسده، حملناه داخل طرقات المستشفى إلى منطقة استقبال الحوادث، حقنوه هناك بما لم أحقنه داخل عربة الإسعاف، ظل يرمقني في يأس وهم ينقلون له الدم عوضًا عن نزيفه، غادرت المستشفى إلى أمي، استوقفني عبده بالخارج مناديًا أكثر من مرة:
- نعيم.. إلى أين؟
لم أجبه، كنت لم أزل بسترتي الخضراء، أوقفت تاكسيًا انطلق بي إلى المستشفى التي ترقد بها أمي، هذه المرة نحن وحدنا يا أمي، تناديني:
- نعيم.. هل أنت هنا؟
كأنها تتحقق مني، على الرغم من أن الصوت لا يسمعه سوى عقلي، لكنى كنت أثبت نظراتي على شفتيها، خرجت كلماتي مسموعة وعالية وأنا أقول:
- انتصار.. لو أنك تسمعيني الآن، أرجوك حركي قدميك.
لم يبد أنها سمعت شيئًا، إذ جاءني صوت في عقلي يهمس قائلاً:
- أين كنت؟ دعني أرحل يا نعيم، أطلق سراحي يا بني.
صرخت بصوت مسموع:
- يا أماه.. أرجوك حركي أي شيء من جسدك، يدك، قدمك، أصابعك، أرجوك.
جاءت الممرضة على صوتي العالي، توقفت حينما رأت سترة الإسعاف الخضراء، قالت في ريبة:
- أنت جلبت هذه الحالة؟
ظللت أنظر إلى أمي التي هرب صوتها من عقلي تمامًا، ثم التفت إلى الممرضة وقلت مشوشًا:
- بل هي التي جلبتني.

Thursday, March 11, 2010

بهاء طاهر

















هذه صور لحوار أجريته مع الأديب الكبير بهاء طاهر فى محافظة الأقصر، أثناء تغطية مؤتمر إتحاد الكتاب هناك بمناسبة وضع حجر أساس قصر ثقافة بهاء طاهر