Saturday, November 3, 2007

ستين شمس وستين ليل

رحلت أمى


منذ شهرين


شهرين الآن مرا على وفاتك يا أمى


كما يقول الأبنودى


ستين شمس وستين ليل


ولم أعرف بعد من فينا الذى قد رحل


ستين شمس وستين ليل بلا أم


ستين نهار بلا دعوات مستجابة


ستين سحربلا حضن يضم


وكأن الحقيقة انتظرت حتى يبلغ سنها شهرين


لكى اصدقها


ولكنى لم أصدقها بعد


الحقيقة التى كنت أظنها لن تقترب منى بينما تنال من الخلق


زمان كنت أظن أن الموت سينال كل آباء وأمهات الخلق


ما عدا أبى وأمى


كنت أظن أن حفرة الموت ستنال كل الخلق


ما عدا أسرتى


فهى محصنة تحصينا منيعا منه


ليس لهذا أى مرجعيات


نحن بالطبع لسنا من الفضاء الخارجى


ولكنه ظن ظننته صغيرا


وحينما كبرت


لم يتركنى ونما معى


ولكنه تبدد فجأة


وكأنى أستعيد كلمة الشاعر أحمد بخيت


وداعا للبكاء بصدر أمى لفيروز العيون الصافيات


لطعم البرتقال لصبح عيد تلألأ بالثياب الزاهيات


لسطح طفولتى لدجاج أمى لأفق باتساع تخيلاتى




اللحظات الأخيرة التى جمعتنا لم تكن كافية لتخمين المستقبل


كانت تتألم نعم


ولم نظن أن هذه آلام النهاية


كانت تمتنع فى لحظات اللآم عن إبداء آلامها


كى نظل نستمتع ولا نغتم


أمى أصابها السرطان


ولم ترد أن تكشف


لأنها كانت تخاف أن يراها أحد


أو يكشف عليها أحد


وحينما أصررنا


مضت رغما عنها للكشف


قبلها كانت هناك مناسبة عائلية دعتنا للتصوير


فوقفنا كلنا صفا واحدا


أنا وهى وأبى وزوجتى وأخى وأختى


فى الصورة كانت تجاهد لتبتسم


فلا تعرف ما المرتسم على ملامح وجهها


أهى ابتسامة


أم محاولة مخفقة لإخفاء الألم


وكانت تمسك بطنها فى الصورة


المكان الذى أصابها فيه السرطان


حينما توقفت عن التدوين منذ أكثر من أربعة أشهر


كنت متوقفا رغما عنى


بسبب إمتحانات انشغلت بها


ثم أننى كنت أبحث عن موضوع مختلف أعود به إلى التدوين


فإذا بى أستأنف التدوين بالكتابة عن موت أمى


وموت أمى الذى لم أتصوره


جاء مباغتا


بدون إنذار


لم تشتك أمى قبلها من المرض


اشتكت فقط من بعض الآلام


ثم مضينا للكشف


والفحص


والآشعة


إلى آخر هذه المصطلحات المتعبة


فإذا بنا نجد أنفسنا أمام السرطان


سرطان القولون


وأنه ليس حميدا


وأننا بحاجة للجراحة


كنت فى كل هذا غائبا


وحينما هاتفونى بالنتائج


لم أصدق


بوغت


واستأذنت للسفر


كى ألحق أمى


وأراها قبل العملية


لم يخطر لى على بال أنها لن تنجو


كنت واثقا من النجاة


الظن الذى ظننته صغيرا كان لم يزل يراودنى


لذلك كان طبيعيا أن اهبط من الأتوبيس الذى وصل فجرا وأذهب لأبيت فى بيتى


بدلا من أذهب لأنعم بحضنها للمرة الأخيرة


وفى الصباح ذهبت إليها


قبل العملية


حينما دخلوا عليها صباحا بدونى


سألتهم عنى


فين وجدى


وكأنها كانت مشتاقة


دخلت عليها


وحضنتها


وقلت لها


يا ماما انتى هتكونى إن شاء الله كويسة


أنا مش هدعيلك


أنا عايزك أنتى اللى تدعيلى


وعايزك تدعي لنور ابنى


عشان هو أصغر احفادك وغلبان قوى ومحتاج دعاكى


ضحكت


وفرحت أنها ضحكت


وخرجت من أحساس العلمية والمرض والخطر


ودخلت العمليات


وفى العملية


نزفت


ونزفت


ونزفت


ولم تفق من البنج


واخرجوها تنزف إلى العناية الفائقة


وظللنا نتحلق حولها بينما هى فى غيبوبتها الدائمة


وهم يمدونها بالدم


لتعويض الدم النازف


ثلاثة أيام فى العناية الفائقة


ثم يصرح الأطباء بالقرار النهائى


بالحقيقة


بوفاة جذع المخ نتيجة لتأثره بالنزيف الشديد أثناء الجراحة


وداعا يا أمى


ورد في الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد فى سبيل الله


شعرت أنها المحظوظين فى وقت من الأوقات


فقد نالت منزلة عظيمة


ونحن من البؤساء


فقد أخذت منا على غرة


وبدون أى تمهيد


نالت أمى درجة الشهادة


وارتاحت من آلام بعد العملية


وآلام الجراحة


وآلام نفسية كثيرة


استجاب الله لدعاؤها المستمر


بألا يحوجها إلى أحد


وألا يذلها لأحد


ولكن من تركتى خلفك يا أمى


لم يزل بحاجة إليك


لم يزل يفكر فيك


ويتعلق بجلبابك


وحشتينى يا أمى


وحشتينى


لكن لا أملك إلا أن أقول


يرحمك الله


وأسكنك فسيح جناته


فى منزلة الشهداء


وأنار لك المكان الذى ترقدين فيه


Thursday, June 7, 2007

توقف مؤقت

المدونة متوقفة مؤقتا برغبة من صاحبها
ليست هناك دواعى إنشائية
وليست أسباب تمويلية
ولكنها أسباب مرتبطة بالإمتحانات
أمتحانات على الأبواب
وهى إمتحانات يخوضها المدون حاليا
ربما يستأنف التدوين بعد الإمتحانات
أو بعد إنتهاء فترة الملل من التدوينات المعتادة
التى يتسابق المدونون فى إرسالها
بحثا عن شىء جديد أتوقف
بحثا حتى إشعار آخر أتوقف

Friday, April 20, 2007

قصة


السطور



وحيدا .. أعدو منذ السطر الأول ، أتمنى الاختباء بين ثنايا كفك ، تصرخ الروح فى محبسها ، تصرخ الدماء فى أوردتى ، كتفى الذى يحبو بجوار كتفك ، همساتى .. "وحشتينى" "وأنت أكثر " ما من مرة تلفظيها ، كأن السطر يطول يستكثر الانتهاء ، لعله صراط يضيق ويحتد كالشعرة ، السقوط وشيك ، لكنى أحتمل سخونته التى تفلق بطن قدمى .. " الشقة بعيدة .. والشغل لسه ! " " بس البداية يا حبيبى " قليلة هى السطور بصفحتنا ، سطران آخران وتنتهى المتاعب ، أطوح بأصابعى الملتاعة للقبض على السطر الثانى ، قبل أن يعاجلنى .. " اللى تدفعه فى المواصلات .. تدفعه هنا أحسن " " بس بداية " أكاد أجن بعد النجاة ، الهوة تتسع بين كل سطر ، أبحث عنك، تنزلق الدمعة الوليدة عندما تقوليها ، حبيبى ، كلمتك التى تقبل أذنى ، أهم بك ، تبتعدين ، أكرر المحاولة قبل اقتراب القهوة التى لم أكن أشربها .. " ليست مشكلة .. بسيطة خالص " " لما أكون فى بيتك يا أستاذ .. بيتك هناااااااك " أقفز للسطر الثالث ، محاذرا من انسكاب القهوة ، أضاعف سرعتى لعلى أتخطى السطور إلى البياض الذى يشرق بطول صفحتنا ، البياض الذى ما أن أدس وجهى به ، حتى أبرأ من سواد وش الفنجان .. " قهوتك يا بنى " " شكرا يا حماتى " الروح الحبيسة ، الدمعة الوليدة ، تبغيان رؤيتك فى الخواء الذى انتصب فجأة ، التصحر الذى أصاب صفحتنا ، التهم البياض، تراصت السطور كالجراد ، ككثبان الرمال، تغور قدماى، بينما تبتعدين ، أجن وأنا أقاوم دوامات السطور .. " ليس سوى بياضك دواء " " قولي ظروفه وحشة " " مش ممكن أقول عنك كدا " " قولى مش متفاهمين .. عيان ..تعبان " سيف الظمأ يشق ريقى ، وحده فوران القهوة ، يصرخ كى يطفئ النار ، حاشدا المزيد من دوامات السطور ، تزحف كلها ، طوقتنى ، وثب إحداها ملتفا برقبتى ، انسكبت تلك على قدمى ، شمس الغروب تتوارى هلعا ، بينما وحدى أصرخ دافعا ذاك عن رقبتى ، وهؤلاء عن ساقى ، عيناك تنزلق خلف شمس الغروب ، أنهض ، أتعثر ، أسقط ، عيناك تتوارى .. تتوارى ..

Monday, March 12, 2007

موقع أوتاد

شكرا لموقع أوتاد
كنت بالصدفة باعمل بحث على قصص أورهان باموق
وجدت مصادفة إسمى وبجواره إسم قصة قصيرة كنت قد كتبتها من سنين دخلت على الموقع فوجدته نشر لى قصتين كنت قد أرسلتهما له من فترة ونسيت متابعة النشر
الموقع عرفته من خلال صديقى وائل السمرى الذى كان قد نشر قصيدتين فيه من أجمل قصائده ( عرس الولى ) و( رقصة مع المدى)
هذا هو عنوان الموقع
وهذه قصة من القصتين وعنوانها
نوافذ لا تلاصقها نوافذ
الآن.. كافة الملاءات .. أردية الوسائد ..الأرضيات .. الحيطان .. لمبات النيون .. يلبسونك البياض ، ينزعون عنك كافة ألوان فساتينك ، ذهبية أساورك ، شقرة شعرك، يسترون جسدك الذي اعتاد مداعبة الهواء من فتحات الملابس السفلية و الجانبية . أسفل الكشاف الضخم ، بين الأوجه الملثمة ، تتذكرينه ، أول مرة حينما قذف نافذتك بقصيدته ، النوافذ المتلاصقة التي تحمل إلى بعضها صرخات الأطفال ، تأوهات الحب ، عطنة المجاري الطافحة ، حملت قصيدته ، تدخلين أبياتها وتخرجين ، دون المرور بكافة حجراتها. تلمع مشارط الخلاص في ضوء الكشاف ، هذه المرة نجح أن يتلقى عنك ضربات الزحام في الأتوبيس ، في أذنيك يبنى أبياته ، عيناك على السيارات الملاكي التي تسبق الأتوبيس ، داخلها فتيات تسترحن أصابعهن في أصابع فتيانهن ، لا يعانين من حرارة اللحم المتلاصق ببعضه في الزحام. تسرى بك غمامة المخدر في نهار الكشاف ، تخرجان سويا من الجامعة ، لم يزل يفرد أمامك أوراق قصائده التي ينشرها في كل مكان بجدران المجلات المعلقة ، لم يزل يردد أنها ضلوع السفينة التي تحملكما خارج النوافذ المتلاصقة ، ما تزالين ترددين في نفسك السؤال .. أتكفى أوراق قصائده مجتمعة للنجاة .. توقفت أمامكِ سيارة ملاكي. تدخل المشارط رويدا رويدا ، تصل عنق الرحم ، دققت متفحصة ، قصيدته لم تحجب الرؤية ، السيارة تحملك إلى شقة واسعة ، لا تلاصق نوافذها نوافذ ، تشرقين ، تعكس الشمسُ ألوان عينيك ..وجنتيك .. شقرة شعرك .. ذهبية أساورك ، المرات التي تعرجين فيها على النوافذ المتلاصقة لتحملين الهدايا لأبويك ، تلمحيه لم يزل يبنى سفينته، ينشر قصائده في مجلات لا تثبت بحوائط . المشارط تقبض بقسوة على البرعم الأخضر، تتسع ملاءاتك الزاهية ، تبحثين فى عقود النسيج ، الأرض تلين أسفلك ، يدق الباب للإيجار ، السيارة التي حملتكِ إلى هنا ، تغيب خلف الشمس، تنتزعين أقدامك بصعوبة ، الأوحال تمسح ألوان كعبك العالي ، تلاحقك الضربات من الصدر .. البطن .. الباب . تفتحين ، يدخل الماء ، تهربين إلى حجرات جانبية ، تفاجئك قشرة أساورك المطلية، البطن تضرب ، السقف يخر ، الماء يغرز في فتحات ثوبك السفلية والجانبية ، تطفو ألوانك ، ينظف الآن جوانب الرحم من آخر شظايا البراءة ، يلقى بالمشرط وهو يكتم أنفاسه من عطن ألوانك الطافحة ، تجدفين ، في أمان تطفو سفينة قصائده الصغيرة ، تضربين بساعديك الماء لعله يفسح الطريق ، يقذفك الماء بعيدا ، إلى حيث لا جبل تؤوين إليه ، إلى حيث ترين سفينة قصائده التي ليس فيها إلا زوجين ، هو، ومن تجدف أمامه ، تسكن حركتك تماما .

Saturday, February 24, 2007

شهر ابوة

شهرمر على ميلاد نور الدين
شهر هو كل عمرى فى تجربة الأبوة
خلال هذا الشهر نزلت أجازة لمدة 12 يوم قضيتهم مع نور الدين
خلال هذه الفترة القصيرة التى تعد الفترة الحقيقية لى فى الأبوة ، اكتشفت بذور الأبوة التى القاها داخلى نور
تجلت لى تفسيرات كثيرة لأشياء كنت اجهلها وأتعجب منها فى علاقتى بأبى وأمى
قلق أبى المستمر خلال غيابى خارج المنزل
الشجار الذى ينشب عندى عودتى متأخرا
صحيان أمى مبكرا لتوقظنى للمدرسة
سهرها ليالى الامتحانات لتعد لى الشاى والقهوة وإستيقاظها مبكرا للأطمئنان على ذهابى الامتحان
فلسفة التحمل
ما هى الطاقة البشرية التى تبث داخل الأب والأم وتجعلهما قادرين على تحمل كافة هذه الآلام
من أين يتضاعف هذا الإدرينالين وكيف تتحمله عروقنا بكمياته غير المعهودة بينما يضخ داخلها ، فنتحمل الآلام ونصبر عليها بكل هذه البساطة التى يتم بها الأمر
عندما حملت نور للمرة الأولى لمحت عماص اصفر على جانب حدقة عينه ، سألت زوجتى فأجابتنى ان صفرة الأطفال اصابته بنسبة ليست خطيرة والدكتورة اوصت بأن يتعرض دائما ليل نهار للضوء النيون
خبرتى بأمراض الأطفال معدومة ، فكان هذا أول قلق أبوى أتعرض له ، خصوصا عندما رأيت عين نور صفراء كالليمونة
رغبتى فى إحتضان نور كانت اقوى شىء سيطر على خلال فترة الأجازة ، أن أضمه بقوة ، اضعه داخلى لأحميه من الصفرا وكافة الأمراض الأخرى التى لا تتحملها هشاشته
اول ليلة من الأجازة جربت لأول مرة معنى أن أنام فى النيون ، وانا الذى كنت أقلق دوما من أى لمبة تنار خلال الليل ، واطمئن لجودة العتمة التى تغرق البيت قبل أن أنام
وخلال الليالى المتعاقبة جربت معنى النوم فى النور ومعنى التحمل
خلال تلك الأيام لم أجرب هذين فقط
جربت ايضا شوق جديد
شوق آخر
فقدت الاستقرار الذى اشعر به أثناء جلوسى مع أصدقائى
لم أعد أستطع مجاراتهم فى جلساتنا التى كانت دائما تمتد حتى صباح اليوم التالى
خلال تلك الفترة كنت ألقاهم متململا ، وأظل معهم سواء كنا فى ندوة أو فى مقهى ، شاعرا بالضيق والرغبة فى مغادرتهم والعودة إلى نور، وأتحين الفرص ، والتمس أعذار سخيفة
ثم أعلنت الحقيقة
انا مروح عشان اقعد مع نور
نور لم يكن يشعر بكل هذا
هو دائما يبكى ليعلن عن رغبته فى الأكل
ويرضع بعنف كأنه ظمآن فى صحراء
حتى تصرخ زوجتى من شدة الألم
ويشترط ان يرضع وهى واقفه
فأقف بجوارها اسندها
هى أيضا بدأت تتحمل آلاما جديدة غريبة عنها
بدأت تعتاد عنفه فى جذب حلمة ثديها أثناء الرضاعة
وترضى به
وتستسلم له
وتبتسم بعد الألم عندما تجده يشبع
خضعت ساعتها البيولوجية لساعته الجديدة
الليالى المتواليه التى لا تعرف فيها النوم سوى دقائق متقطعة ينامها نور ثم يستيقظ لتستأنف إرضاعه ثانية
ليالى كثيرة لم ينقطع بكاؤه
ولم نعرف لماذا يبكى
كانت معظم مشاكله فى البداية الآلام التى يشعر بها من مشبك الصرة
ثم سقطت الصرة
وظلت تنتابه بعض الآلام
ينقبض وجهه كله من البكاء
الدكتورة أيضا أوصت بدواء للتقلصات
كان فى أكثر الأوقات يريحه ويزيل منه هذه الآلام
وكنت أغمغم يا ترى ماذا بداخلك يا نور
ماذا تشعر
ماذا فى إمكانى أقدمه كى ترتاح
فى صلاتى عرفت أدعية جديدة من نوعها لم أكن أدعو بها
أحمدك وأشكر فضلك يا رب على أحلى هدية وأغلى نعمة
يا رب خلى لى نور
يا رب اكرمنى عشانه
يا رب وفقنى عشان أعرف اربيه
وأعلمه أحسن تعليم

Thursday, January 25, 2007

الكف عن الحماقات








رسائل المحمول قطعت المسافة بين القاهرة ومرسى علم لتحمل لى البشارة.. مبروك زوجتك ولدت وهى والمولود بخير.
كنت قد أنشأت هذه المدونة خصيصا أسوة بأصدقائى من الكتاب ، وأستهللت أولى نشراته بقصة قصيرة كانت سبب سعدى ونجم هداية روح العالم لأسطورتى الذاتية على رأى باولو كويلهو.
وبينما أنتوى نشر أولى فصول روايتى الأولى ( طقوس آخر النهارات الحزينة ) تجينى البشارة.. مبروك جالك ولد.
ومن ساعة ما المدام حملت بعد زواجنا بشهور وأنا أتمنى أن يكون ما بداخلها بنت ، حبى للبنات جاء مع أول إنجاب فى العائلة ، وكانت أختى الكبرى حينما أنجبت بنت ، كلنا تعلقنا بها تعلق غير عادى ، إنها أول فرد يزيد عدد العائلة ، ثم كان أخى الأكبر، فكان أول إنجاب له بنت أيضا.





شعرت أن البدايات يجب أن تكون أنثى ، مما فرض على أن أقول خلاف ما يقوله الرجال ، وأن أجهر بأمنيتى أن تكون أولى ذريتى أنثى.
وطوال أشهر الحمل لم يفلح السونار وتكهنات الأطباء فى الإتيان بحقيقة الموجود برحم زوجتى.

أن تكون أبا .. هذه حقيقة مريعة ، أن تكون قدوة لآخر ، أن تكف عن إرتكاب كافة الحماقات التى أعتدتها فى حياتك ولا تستطيع أن تحيا بدونها ، سهر الليالى أمام التيلفزيون ، خلع الملابس فى أى مكان ، إصدار الأصوات أثناء شرب الشوربة أو الشاى وأشياء أخرى يجب أن أتوقف عنها من اليوم.

أكلم زوجتى ، يأتينى صوتها متقطعا متهدجا ، تضحك فى صعوبة : ولا ستة ولا أربعة .. أنا خلاص أتصفيت.

خلال فترة الخطوبة وبداية الزواج ، كنت دائما ما امازحها أنى لن أتنازل عن نصف دستة اطفال.

تأتينى غمغمته .. كائن صغير .. ياللروعة .. يداعب جبروت الدنيا.. هذا إبنى يهاتفنى بغمغمته.

تمنعنى المسافات والقوانين البيروقراطية من أخذ أول سيارة أو أتوبيس إلى القاهرة لآراه وأحتضنه ، لم يزل أمامى أسبوع على ميعاد أجازتى، ويأتينى صوت زوجتى تقول لى: مش هتيجى تشوفه وهو لسه صغير.








Tuesday, January 16, 2007

غارة المانجو

وهى ليست غارة على شجرة مانجه عشان الحر
لكن هى قصة حقيقية حصلت فعلا
وكتبتها
وربنا كرمنى فيها بالجائزة الأولى فى مسابقة شباب الجامعات المجلس الأعلى للثقافة
كانت أول ألف جنيه أمسكها فى إيدى
غارة المانجو
وحدك يخنقك الحنق بعدما انتهيتما من نصب الخيمة ، تبصر أمامك الشاليه الملتصق بالأرض فى إصرار، الأرض التى ليست أرضهم أعدوا ما استطاعوا من قوة لحمايتها ، حتى خيمتكم تبتسم ساخرة منكم ، عندما تعاكسكم أوتادها ، كما لو كان منزعجاً من صمتك ، يميل عليك :
- ما اسم الأخ..؟
- سالم ..
- وليه السكوت ركبك يا خوي .. والنبى افرجها نحن فى صحراء ..
يأتيكم الليل غير مصطحبا قمره ، بينما تتحسسان الأشياء ، تتناهى إليكما أصوات سيارات جهة الشرق ، يهب فزعا : ممكن ؟!.. أول يوم لنا هنا يقلوا أصلهم معنا ..
تتجاهل فزعه ، إذ تدرك إنها دورية الحراسة التى ينتظرها الشاليه ، لم تكن سوى صبى فى العاشرة حينما وعيت عليهم ، عندما وجدت أمك تبكى فى أثر رحيل أبيك ، سمعت جدك يلومها :
- غالية دموعك .. ظنك راح يحاربوا ..؟ ما رييسهم أهو.. كل سنة يقول إنها سنة الحسم .. أنا أعرف هذا الجيش .. جيش حارب فى يوم بسلاح خربان .. ويوم آخر تولى ساعة الزحف قصاد اليهود..
وعيت أيضا على همس أمك وأنت فى حضنها : قلبى يحدثنى أن فيه حاجة المرة هذه .. ، لم يخب إحساسها، على الرغم من وقوف الشمس فى كبد السماء، وجدتهم طاروا وضربوا وعبروا ، ترى دوما من يحارب يحترم شروقها فيحارب قبله ، أو يجل غروبها فيحارب بعده ، أما هؤلاء القوم .. المصريون ، فقد ورثوا الفرعنة حقا ، عندما تركوها تُسلط نفسها فى أعين أعدائهم ، كى يضربوهم من خلفها ، يومها هب جدك فزعا : معقول يا ولاد .. فى عز النهار .. فى عز الصوم .
ظل لسان أمك متحجرا ، جمد همسها لك وأنت فى حضنها ، تخرج من شرودك عندما تلمحهم يتسابقون ويمرحون ، من الشاليه إلى شجرة ممتلئة بجواره، صفراء الثمرات ، برتقال ؟! يوسفى ؟! تقاطعه :
-لأ .. مانجو..
- من عرّف أهلك ..؟!
يصرخ فيك ، تتجاهله بينما تهمس : نفسى راحت لها..
يسمعك ، تلمحه يبحلق فيك ببلاهة ، قبل أن يطلق ضحكة ساخرة :
- حيلك حيلك .. ألا تراه ..؟!
وهو يشير للسلك ،يبدو كالسكين الذى قطع التورتة ، صدئ قاس ، يمتلئ بالنصال الصغيرة .
مع مقدم التعيين ، كان يسخر من غرامك بالمانجو مع جنود التعيين ، ترى أنيابهم تنهش لحمك سخرية ، تود ضربهم جميعا لكمة واحدة ، تتجه إلى السلك وسط تجمدهم ، تذهلهم أكثر عندما تشير للجندى الواقف بالناحية الأخرى ، فى دهشة من إشاراتك يسألك ماذا تريد ، فتشير تجاه شجرة المانجو ، بهت وضحك وأشار لك إشارة بذيئة .
يطلق الجميع ضحكة ساخرة ، رفيقك الوغد ، جنود التعيين ، بينما تحملق فى الآخر حملقة من صفع على مؤخرة رأسه ، لم تستطع أن تجلس بينهم ، يظل رفيقك فى تقريعه لك ، تنزوي ، تتعبد للصمت ، لعلك تتذكر ذلك الصندوق الطويل الذى قدم فوق أكتاف أعمامك ، ليفتحوه أمامك ، أمك التى تضرب الخدين ، جدك الواجم ، وذلك الدثار الذى كان بداخله ملونا بثلاثة ألوان ، بينما يحملون أبيك المدثر بثلاثة ألوان حتى حجرة أسفل الأرض ، يغلقوها عليه ، وأمك تضرب الخدين .
ظللت تتعبد للصمت ، حتى أرتفع شخيره ، وجدت أضواء الشاليه تخبو ، همس كهمس أمك الذى عقم تماما منذ ضربها الخدين ، يرتفع داخلك : الشجرة ليست محروسة .. لا توجد حاجة محروسة..
يصبح الصبح ، حولك تتناثر شظايا ثمرات ، تتضوع الخيمة طيلة الليلة بعبق المانجو ، فيستيقظ رفيقك زائغ النظرات ، يمد أصابعه يتحسس الثمرات لعله يتأكد ، يصرخ فيك : عملتها كِيف يا مجنون يا بن المجنونة ..؟
لا تجيبه عيناك المرسلتان إلى الشاليه ، الذى يطلق بابه ، صريرا وهو يفتح ، فتهب فجأة نحو الثمرات وتختطف ثمرتين ، تعود إلى السلك صارخا: يا دفعة .. بل ريقك على الصبح ..
كأنك التقطت القمر المنعكسة صورته على صفحة الترعة ببلدكم ، تشعر بالظفر من البلاهة المرتسمة على وجه الآخر عندما اصطدمت الثمرتان برأسه ، تشعر بثأر أبيك المنهوش من أسد لا تعرف طريقه فى الغاب ، جدك الذى ابيضت عيناه حزنا على ولده ، تشعر بأنك لوعدت إليه وقصصت ما فعلت ، سيرتد بصيرا، قصتك قميص يوسف ، القميص الذى سيجلو حلكة البياض التى اشتدت عندما وقعوا السلام ، فقد غمزوا أقلامهم فى عين جدك الثاكلة ليمتصوا من لحظها مدادهم ، وقعوا الوثيقة ، وابيضت عينا جدك.
رفيقك عوى فيك ككلب معضوض طيلة النهار : يحرقك ويحرق مزاجك .. إيه الداهية التى ارتكبتها .. أنه اعتداء عسكرى.
أية اعتداء عسكرى ، كلمات نصنع بها خوفنا ،سيرتد الجد بصيرا إذا ما علم بما فعلت ، ترى كم يتبقى أمامك من إصباح حتى تلقى على عينيه قصتك ، تراقب حركة الشمس الوئيدة ، يجذب بصرك إلى الأرض صرير باب الشاليه ، كان الجندى ورفاقه بصحبة امرأة ، يضحكون ويشيرون إليك إشارات بلهاء ، يلاعبوها ملاعبات ماجنة ، تدوى ضحكاتها الصاخبة ، يستل أحدهم قطعة قماش مألوفة لك ، بها ذات الألوان الثلاثة التى تدثر بها أباك ، جذب آخر رداء المرأة السفلى ، مجونها يصطخب ، يلوح ثالث بدثار أبيك ، قبل أن يفردها لترقد المرأة عليها ، ترى هل هى من صنعهم أم بقروا قبر أبيك ، توالوا على المرأة وتأوهاتها تدوى ، " يا أيها المدثر "، شىء بيدك ، باردُ برودة قاسية ، يمطر أشياء تسمى رصاص ، هكذا لقنوك فى مركز التدريب ، توقفت الشمس كما توقفت عندما كان أباك يطلق نيرانه ويرفع كفنه ، هب رفيقك فزعا فارا، ثم عاد حينما اطمئن أن الرصاص لم يستهدف خيمته الهشة ، ضرب خديه كأمك عندما وجد الرمم تتناثر عبر السلك كشظايا الثمرات ، بكى ورجال الحدود يقتادونك بعد دقيقتان ، فى التحقيقات تقول لهم : كنتم تأتوا قبلها بخمس دقائق .. كنتم تأتوا لتروا ..
كنهر عطن ، تصب التحقيقات فى السجن الحربى ، لن تذهب إلى جدك بالقميص ، ستلقيه الأيام على وجهه ، سيأتيك بصيرا ، تأتيك الكلمات متخبطة فى زنزانتك ، سالم .. أنت متهم بحيازة ذخيرة حية تمنع المعاهدة تواجدها فى المنطقة ! من أين أتيت بها إذن .. من البئر المعكوس به صورة القمر ، كما أنك متهم بالاعتداء على أرواح !.. كما أنك مختل عقليا .. كما أنك .. كما أنك .. أمرنا نحن ..
ليست هناك أخبار من البلد ، هل علم جدك ، هل علم الناس، هل لم يزل يمر ببلدك الوادى ، أم انعطف ؟! هاهي " القهاوى " التى تراها للمرة الأخيرة أثناء ترحيلك ، هاهي تتنفس ما فعلت كما تتنفس الشيشة والدخان .
من لم يعلم ؟ من .. ؟ تهبط بين حراسك فى ساحة المصحة المدججة بالحرس ، يقولون أن رأسك مطلوبة حيا أو ميتا ، لذلك رماك قومك بالجنون ، جعلوا سجانك الحربى صاحب المعطف الأبيض ، لعله يترفق بك من هؤلاء الذين اتهموك بمخالفة المعاهدة ، مساكين ، لا يدركون أنك ستفكر ألف مرة قبل أن تخالف الوثيقة التى مدادها من لحظ جدك ومن تبخر دماء أبيك ، مهما يكن ، شكرا لهم ، فهم يحمونه ، الآن يستطيع أن يخلد للنوم فى هدوء ، يراقب الشروق ، الآن جده بصير قرير العين ، غدا سيستقبل هؤلاء الصحفيين الأجانب الذين قطعوا العالم من أجله ، سيصحبهم صاحب المعطف الأبيض إليه ، فى كل توقير سيروا ذلك الذى خرق قوانين عالمهم ، سيلتقطون له الصور التى تنقله للعالم كله ، سيغض صاحب المعطف الأبيض عينه مرتعدة بينما يحيطون به ، ويطلقون فى وجهه ذلك الشعاع الذى يمتص بريق عينيه ، ثم فى الصباح التالى ، سيكتب تقريره الطبى الأنيق ، والذى سيقول فيه .. أنه قد عثر على المختل عقلياً سالم منتحراً بملاءة فراشه ، هذا ولم يستدل على سبب انتحاره ، نرحب بإيفاد من يحقق فى الأمر.