Tuesday, January 16, 2007

غارة المانجو

وهى ليست غارة على شجرة مانجه عشان الحر
لكن هى قصة حقيقية حصلت فعلا
وكتبتها
وربنا كرمنى فيها بالجائزة الأولى فى مسابقة شباب الجامعات المجلس الأعلى للثقافة
كانت أول ألف جنيه أمسكها فى إيدى
غارة المانجو
وحدك يخنقك الحنق بعدما انتهيتما من نصب الخيمة ، تبصر أمامك الشاليه الملتصق بالأرض فى إصرار، الأرض التى ليست أرضهم أعدوا ما استطاعوا من قوة لحمايتها ، حتى خيمتكم تبتسم ساخرة منكم ، عندما تعاكسكم أوتادها ، كما لو كان منزعجاً من صمتك ، يميل عليك :
- ما اسم الأخ..؟
- سالم ..
- وليه السكوت ركبك يا خوي .. والنبى افرجها نحن فى صحراء ..
يأتيكم الليل غير مصطحبا قمره ، بينما تتحسسان الأشياء ، تتناهى إليكما أصوات سيارات جهة الشرق ، يهب فزعا : ممكن ؟!.. أول يوم لنا هنا يقلوا أصلهم معنا ..
تتجاهل فزعه ، إذ تدرك إنها دورية الحراسة التى ينتظرها الشاليه ، لم تكن سوى صبى فى العاشرة حينما وعيت عليهم ، عندما وجدت أمك تبكى فى أثر رحيل أبيك ، سمعت جدك يلومها :
- غالية دموعك .. ظنك راح يحاربوا ..؟ ما رييسهم أهو.. كل سنة يقول إنها سنة الحسم .. أنا أعرف هذا الجيش .. جيش حارب فى يوم بسلاح خربان .. ويوم آخر تولى ساعة الزحف قصاد اليهود..
وعيت أيضا على همس أمك وأنت فى حضنها : قلبى يحدثنى أن فيه حاجة المرة هذه .. ، لم يخب إحساسها، على الرغم من وقوف الشمس فى كبد السماء، وجدتهم طاروا وضربوا وعبروا ، ترى دوما من يحارب يحترم شروقها فيحارب قبله ، أو يجل غروبها فيحارب بعده ، أما هؤلاء القوم .. المصريون ، فقد ورثوا الفرعنة حقا ، عندما تركوها تُسلط نفسها فى أعين أعدائهم ، كى يضربوهم من خلفها ، يومها هب جدك فزعا : معقول يا ولاد .. فى عز النهار .. فى عز الصوم .
ظل لسان أمك متحجرا ، جمد همسها لك وأنت فى حضنها ، تخرج من شرودك عندما تلمحهم يتسابقون ويمرحون ، من الشاليه إلى شجرة ممتلئة بجواره، صفراء الثمرات ، برتقال ؟! يوسفى ؟! تقاطعه :
-لأ .. مانجو..
- من عرّف أهلك ..؟!
يصرخ فيك ، تتجاهله بينما تهمس : نفسى راحت لها..
يسمعك ، تلمحه يبحلق فيك ببلاهة ، قبل أن يطلق ضحكة ساخرة :
- حيلك حيلك .. ألا تراه ..؟!
وهو يشير للسلك ،يبدو كالسكين الذى قطع التورتة ، صدئ قاس ، يمتلئ بالنصال الصغيرة .
مع مقدم التعيين ، كان يسخر من غرامك بالمانجو مع جنود التعيين ، ترى أنيابهم تنهش لحمك سخرية ، تود ضربهم جميعا لكمة واحدة ، تتجه إلى السلك وسط تجمدهم ، تذهلهم أكثر عندما تشير للجندى الواقف بالناحية الأخرى ، فى دهشة من إشاراتك يسألك ماذا تريد ، فتشير تجاه شجرة المانجو ، بهت وضحك وأشار لك إشارة بذيئة .
يطلق الجميع ضحكة ساخرة ، رفيقك الوغد ، جنود التعيين ، بينما تحملق فى الآخر حملقة من صفع على مؤخرة رأسه ، لم تستطع أن تجلس بينهم ، يظل رفيقك فى تقريعه لك ، تنزوي ، تتعبد للصمت ، لعلك تتذكر ذلك الصندوق الطويل الذى قدم فوق أكتاف أعمامك ، ليفتحوه أمامك ، أمك التى تضرب الخدين ، جدك الواجم ، وذلك الدثار الذى كان بداخله ملونا بثلاثة ألوان ، بينما يحملون أبيك المدثر بثلاثة ألوان حتى حجرة أسفل الأرض ، يغلقوها عليه ، وأمك تضرب الخدين .
ظللت تتعبد للصمت ، حتى أرتفع شخيره ، وجدت أضواء الشاليه تخبو ، همس كهمس أمك الذى عقم تماما منذ ضربها الخدين ، يرتفع داخلك : الشجرة ليست محروسة .. لا توجد حاجة محروسة..
يصبح الصبح ، حولك تتناثر شظايا ثمرات ، تتضوع الخيمة طيلة الليلة بعبق المانجو ، فيستيقظ رفيقك زائغ النظرات ، يمد أصابعه يتحسس الثمرات لعله يتأكد ، يصرخ فيك : عملتها كِيف يا مجنون يا بن المجنونة ..؟
لا تجيبه عيناك المرسلتان إلى الشاليه ، الذى يطلق بابه ، صريرا وهو يفتح ، فتهب فجأة نحو الثمرات وتختطف ثمرتين ، تعود إلى السلك صارخا: يا دفعة .. بل ريقك على الصبح ..
كأنك التقطت القمر المنعكسة صورته على صفحة الترعة ببلدكم ، تشعر بالظفر من البلاهة المرتسمة على وجه الآخر عندما اصطدمت الثمرتان برأسه ، تشعر بثأر أبيك المنهوش من أسد لا تعرف طريقه فى الغاب ، جدك الذى ابيضت عيناه حزنا على ولده ، تشعر بأنك لوعدت إليه وقصصت ما فعلت ، سيرتد بصيرا، قصتك قميص يوسف ، القميص الذى سيجلو حلكة البياض التى اشتدت عندما وقعوا السلام ، فقد غمزوا أقلامهم فى عين جدك الثاكلة ليمتصوا من لحظها مدادهم ، وقعوا الوثيقة ، وابيضت عينا جدك.
رفيقك عوى فيك ككلب معضوض طيلة النهار : يحرقك ويحرق مزاجك .. إيه الداهية التى ارتكبتها .. أنه اعتداء عسكرى.
أية اعتداء عسكرى ، كلمات نصنع بها خوفنا ،سيرتد الجد بصيرا إذا ما علم بما فعلت ، ترى كم يتبقى أمامك من إصباح حتى تلقى على عينيه قصتك ، تراقب حركة الشمس الوئيدة ، يجذب بصرك إلى الأرض صرير باب الشاليه ، كان الجندى ورفاقه بصحبة امرأة ، يضحكون ويشيرون إليك إشارات بلهاء ، يلاعبوها ملاعبات ماجنة ، تدوى ضحكاتها الصاخبة ، يستل أحدهم قطعة قماش مألوفة لك ، بها ذات الألوان الثلاثة التى تدثر بها أباك ، جذب آخر رداء المرأة السفلى ، مجونها يصطخب ، يلوح ثالث بدثار أبيك ، قبل أن يفردها لترقد المرأة عليها ، ترى هل هى من صنعهم أم بقروا قبر أبيك ، توالوا على المرأة وتأوهاتها تدوى ، " يا أيها المدثر "، شىء بيدك ، باردُ برودة قاسية ، يمطر أشياء تسمى رصاص ، هكذا لقنوك فى مركز التدريب ، توقفت الشمس كما توقفت عندما كان أباك يطلق نيرانه ويرفع كفنه ، هب رفيقك فزعا فارا، ثم عاد حينما اطمئن أن الرصاص لم يستهدف خيمته الهشة ، ضرب خديه كأمك عندما وجد الرمم تتناثر عبر السلك كشظايا الثمرات ، بكى ورجال الحدود يقتادونك بعد دقيقتان ، فى التحقيقات تقول لهم : كنتم تأتوا قبلها بخمس دقائق .. كنتم تأتوا لتروا ..
كنهر عطن ، تصب التحقيقات فى السجن الحربى ، لن تذهب إلى جدك بالقميص ، ستلقيه الأيام على وجهه ، سيأتيك بصيرا ، تأتيك الكلمات متخبطة فى زنزانتك ، سالم .. أنت متهم بحيازة ذخيرة حية تمنع المعاهدة تواجدها فى المنطقة ! من أين أتيت بها إذن .. من البئر المعكوس به صورة القمر ، كما أنك متهم بالاعتداء على أرواح !.. كما أنك مختل عقليا .. كما أنك .. كما أنك .. أمرنا نحن ..
ليست هناك أخبار من البلد ، هل علم جدك ، هل علم الناس، هل لم يزل يمر ببلدك الوادى ، أم انعطف ؟! هاهي " القهاوى " التى تراها للمرة الأخيرة أثناء ترحيلك ، هاهي تتنفس ما فعلت كما تتنفس الشيشة والدخان .
من لم يعلم ؟ من .. ؟ تهبط بين حراسك فى ساحة المصحة المدججة بالحرس ، يقولون أن رأسك مطلوبة حيا أو ميتا ، لذلك رماك قومك بالجنون ، جعلوا سجانك الحربى صاحب المعطف الأبيض ، لعله يترفق بك من هؤلاء الذين اتهموك بمخالفة المعاهدة ، مساكين ، لا يدركون أنك ستفكر ألف مرة قبل أن تخالف الوثيقة التى مدادها من لحظ جدك ومن تبخر دماء أبيك ، مهما يكن ، شكرا لهم ، فهم يحمونه ، الآن يستطيع أن يخلد للنوم فى هدوء ، يراقب الشروق ، الآن جده بصير قرير العين ، غدا سيستقبل هؤلاء الصحفيين الأجانب الذين قطعوا العالم من أجله ، سيصحبهم صاحب المعطف الأبيض إليه ، فى كل توقير سيروا ذلك الذى خرق قوانين عالمهم ، سيلتقطون له الصور التى تنقله للعالم كله ، سيغض صاحب المعطف الأبيض عينه مرتعدة بينما يحيطون به ، ويطلقون فى وجهه ذلك الشعاع الذى يمتص بريق عينيه ، ثم فى الصباح التالى ، سيكتب تقريره الطبى الأنيق ، والذى سيقول فيه .. أنه قد عثر على المختل عقلياً سالم منتحراً بملاءة فراشه ، هذا ولم يستدل على سبب انتحاره ، نرحب بإيفاد من يحقق فى الأمر.

4 comments:

أحمد شعبان said...

صباح الفل
جميلة
(:

wagdy El-Komy said...

شكرا يا أحمد شعبان على رأيك وإن كنت أتمنى أعرف رأيك فى القصة
صباح القشطة

Anonymous said...

انا هالة مين حضرتك؟

wagdy El-Komy said...

أنا آسف دخلت على البلوج بتاعك وعلى الرغم إن إسمك جنى كان مكتوب لكن غلطت وكتبت هالة
البلوج بتاعك جميل قوى